في قلب المدن المصرية، وفي الأزقة الهادئة، وفي عمارات عتيقة وحديثة، يدور صراع صامت بين الساكن والمالك، عنوانه: «الإيجار الجديد».. ما بدأ كنظام عقاري منضبط، تحوّل إلى «فوضى» تسعيرية لا تخضع لأي ضوابط فعلية، وأصبح المواطن بين فكي كماشة، جشع غير منضبط من بعض الملاك، وتراخٍ رقابي من الجهات المختصة.
أزمة الإيجار الجديد لم تعد فقط أزمة سكن.. بل تحولت إلى أزمة كرامة، فبينما تُترك القيمة الإيجارية لتقديرات شخصية لا تراعي دخل المواطن، يُجبر المستأجر على القبول بأي شروط تحت ضغط الحاجة الملحة إلى السكن.. وهكذا ينهار التوازن المطلوب في العلاقة التعاقدية، ويتحوّل البيت من مساحة راحة إلى عبء ثقيل على النفس والجيب معًا.
ورغم أن الدولة قد خطت خطوات واسعة في ملفات الإسكان الاجتماعي والمبادرات العقارية، إلا أن أزمة القيمة التسعيرية للإيجارات الجديدة لا تزال خارج إطار الرقابة الفعلية، فهل آن الأوان أن تكون هناك لجان تقدير رسمية أو إلكترونية تُشرف على تقييم القيمة الإيجارية بناءً على الموقع، مساحة الوحدة، الظروف الاقتصادية، ومدى توفر الخدمات؟.. أليس هذا جزءًا من دور الدولة في حماية الطبقة المتوسطة من الانقراض والفقيرة من الانفجار؟.
بل إن غياب هذه الرقابة لا يؤدي فقط إلى الاستغلال.. بل يهدد أيضاً الاستقرار الأسري، ويرفع معدلات الهجرة الداخلية، ويخلق مناخًا عامًّا من التوتر والاغتراب داخل الوطن.