في لحظة سياسية فارقة، تتجه أنظار العالم مرة أخرى إلى أرض الكنانة مصر، حيث تشهد شرم الشيخ مفاوضات حاسمة بين وفود مصرية وفلسطينية وأمريكية وإسرائيلية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة.
الحدث لم يعد مجرد جولة تفاوضية جديدة، بل تحول إلى مشهد تاريخي مفتوح على احتمالات كبرى، خصوصًا بعد التصريح اللافت للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دعا فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى زيارة مصر وحضور مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار إذا تم التوصل إليه.

قد تبدو الدعوة في ظاهرها بروتوكولية، لكنها في جوهرها تحمل رسائل عميقة وأبعادًا استراتيجية تتجاوز اللحظة الراهنة.
فمصر، التي حافظت على خيوط التوازن في الملف الفلسطيني لعقود، تُعيد اليوم ترتيب أوراق اللعبة من جديد على المسرح الدولي، مُستفيدة من طموح ترامب الشخصي في أن يُسجل اسمه كصانع سلام عالمي — وهو الرجل الذي لطالما حلم بجائزة نوبل للسلام، واعتبر نفسه مظلومًا بعدم حصوله عليها.

الدعوة المصرية تفتح أمام «ترامب» فرصة نادرة لالتقاط “اللقطة التاريخية” التي طالما سعى إليها، مقابل أن تمنح القاهرة الملف الفلسطيني غطاءً أمريكيًا مباشرًا يضمن استمرارية الاتفاق ويفرض احترامه على جميع الأطراف.

بمعنى آخر، إذا حضر ترامب بنفسه إلى شرم الشيخ ووقع الاتفاق، فإن ذلك سيُحوله إلى طرف ضامن أمام المجتمع الدولي، وأي خرق للاتفاق لاحقًا سيُعتبر إهانة مباشرة للولايات المتحدة، ما يعني ضمنيًا أن إسرائيل ستُجبر على الالتزام الكامل ببنوده.

لكن الرسالة الأعمق هنا ليست موجهة إلى ترامب وحده، بل إلى العالم بأسره.

فمصر تُعيد تأكيد مكانتها كقوة إقليمية مركزية تمتلك القدرة على صناعة التوازن وإدارة الأزمات، بعد سنوات حاولت فيها قوى إقليمية أخرى – من أنقرة إلى طهران والدوحة – انتزاع هذا الدور.
اليوم، القاهرة تُعيد العالم إلى شرم الشيخ، المدينة التي طالما ارتبط اسمها بعبارات “السلام”، لتُثبت أن صوتها لا يزال الأعلى حين يتحدث الشرق الأوسط بلغة الدبلوماسية.

وفي المقابل، تأتي الدعوة المصرية كصفعة سياسية على وجه بنيامين نتنياهو، الذي يجد نفسه الآن في أضيق الزوايا منذ بداية الحرب.
فحضور ترامب إلى مصر «حال موافقته» يعني أن الملف خرج رسميًا من يد تل أبيب، وأن مفاتيح الحل أصبحت في القاهرة وواشنطن معًا.

وهذا التطور قد يُطيح بما تبقى من مستقبل نتنياهو السياسي، الذي طالما استخدم الحرب وسيلة للهروب من محاكمات الفساد التي تطارده في الداخل الإسرائيلي.

الرهان المصري في هذه اللحظة يبدو ذكيًا وشجاعًا في آن واحد..

فالقاهرة لا تسعى إلى هدنة مؤقتة تُعيد الحرب بعد أسابيع، بل إلى اتفاق كامل يشمل انسحابًا تدريجيًا وضمانات دولية وتبادل أسرى، يُعيد للأزمة وجهها الإنساني والسياسي في الوقت نفسه.

وإذا نجحت مصر في ذلك، فستكون قد سجلت سطرًا جديدًا في تاريخها الدبلوماسي، يُعيد للأذهان اتفاقات السلام الكبرى التي غيّرت وجه المنطقة من قبل.

إن حضور «ترامب» – إن حدث – لن يكون مجرد زيارة، بل شهادة ميلاد جديدة لدور مصر القيادي في الشرق الأوسط، ورسالة إلى العالم بأن شرم الشيخ ما زالت قادرة على صناعة التاريخ…

وربما تكون هذه المرة بداية سلام القرن الذي يُعيد ترتيب خريطة القوة من جديد، لا بالحروب، بل بالعقل والحكمة المصرية التي تعرف متى تتحدث… ومتى تنتصر بصمت.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version